القرآن فيه شفاء من كل الأدواء الحسية والمعنوية ، فيجوز الاستشفاء والاسترقاء به .. وللناس في الاستشفاء بالقرآن طرق عدة ، منها ما هو متفق عليه ، ومنها ما هو مختلف فيه ومنها ما هو ممنوع .
فمن المتفق عليه بين أهل العلم :
1) قراءة شيء من القرآن ثم النفث في اليد أو اليدين ومسح العضو المصاب وغير المصاب بهما .
2) قراءة شيء من القرآن ثم النفث في سائل كالزيت والماء واللبن ونحوهما ، وشربه والتمسح به .
ومن المختلف فيه :
كتابة شيء من القرآن وتعليقه على بدن المريض أو المصاب بعد نزول البلاء ، فمن أهل العلم من أجاز ذلك ، منهم مالك ، ومنهم من منع منه لأنه لم يؤثر عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا أحد من خلفائه ، وإن أثر عن عبدالله بن عمرو بن العاص أنه كان يُعلّم من عقل من أبنائه : " أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ، ومن كل عين لامة " .. ومن لم يعقل منهم كتبها وعلقها عليه .
ومـن الـممـنـوع :
1) كتابة شيء من القرآن في إناء ثم غسله وسقيه للمريض ، حيث لم يصح في ذلك شيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا صحبه الكرام .
2) كتابة شيء من القرآن في ورقة " بخرة " ثم حرق ذلك بالنار واستنشاق المريض لهذا الدخان ، وهذه الطريقة أقبح من سابقتها ولا يحل استعمالها .
قال ابن القيم رحمه الله : ( ورأى جماعة من السلف أن يكتب له – أي للمعيون – الآيات من القرآن ، ثم يشربها ، قال مجاهد : لا بأس إن يكتب القرآن ويغسله ويسقيه المريض ، ومثله عن أبي قلابة ، ويذكر عن ابن عباس أنه أمر أن يكتب لامرأة يعسر عليها ولادها آيتان من القرآن ، يغسل ويسقى ، وقال أيوب السختياني : ( رأيت ابا قلابة كتب كتاباً من القرآن ، ثم غسله بماء وسقاه رجلاً كان به وجع ) .
قلت : قول الصحابي وعمله حجة إذا لم يخالفه غيره ، أما إذا خالفه غيره من الصحابة فقوله ليس بحجة ، وقد خالف ذلك ابن مسعود وغيره من الصحابة رضوان الله عليهم ، وإجابة الدعاء والشفاء من المرض ليس دليلاً على صحة الرقية إذا لم يكن لها مستند في الشرع .
سُئلت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية عن كتابة شيء من القرآن في لوح أو إناء وغسله وشربه رجاء شفاء أو علم أو كسب ، فقالت : ( أذن النبي صلى الله عليه وسلم في الرقية بالقرآن والأذكار والأدعية ما لم تكن شركاً أو كلاماً لا يفهم معناه ، لما روى مسلم في صحيحه عن عوف بن مالك قال : " كنا نرقي في الجاهلية ، فقلنا : يا رسول الله كيف ترى في ذلك ؟ فقال : اعرضوا عليّ رقاكم ، لا بأس بالرقى ما لم يكن فيها شرك " .
وقد أجمع العلماء على جواز الرقى إذا كانت على الوجه المذكور آنفاً مع اعتقاد أنه سبب لا تأثير له إلا بتقدير الله تعالى ، أما تعليق شيء بالعنق أو ربطه بأي عضو من أعضاء الشخص ، فإن كان من غير القرآن فهو محرم ، بل شرك ، لما رواه أحمد في مسنده عن عمران بن حصين رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً في يده حلقة من صُفر ، فقال : ما هذا ؟ قال : من الواهنة .. فقال : انزعها فإنها لا تزيدك إلا وهناً ، فإنك لو مت وهي عليك ما أفلحت أبداً .
وما رواه عن عقبة بن عامر عنه صلى الله عليه وسلم قال : " من تعلق بتميمة فلا أتم الله له ، ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له " ، وفي رواية لأحمد أيضاً : " من تعلق تميمة فقد أشرك " وما رواه أحمد وأبو داود عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الرقى والتمائم والتولة شرك " .
وإن كان ما علقه من آيات القرآن فالصحيح أنه ممنوع أيضاً لثلاثة أمور :
الأول : عموم أحاديث النهي عن تعليق التمائم ، ولا مخصص لها .
الثاني : سد الذريعة فإنه يفضي إلىتعليق ما ليس كذلك .
الثالث : أن ما علق من ذلك يكون عرضة للامتهان بحمله معه في حال قضاء الحاجة ، والاستنجاء ، والجماع ، ونحو ذلك .
وأما كتابة سورة أو آيات من القرآن في لوح أو طبق أو قرطاس ، وغسله بماء أو زعفران أو غيرهما ، وشرب تلك الغسلة رجاء البركة ، أو استفادة علم أو كسب مال ، أو صحة أو عافية ، ونحو ذلك ، فلم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه فعله لنفسه أو غيره ، ولا أنه أذن فيه لأحد من أصحابه ، أو رخّص فيه لأمته ، مع وجود الدواعي التي تدعو إلى ذلك ، ولم يثبت في أثر صحيح فيما علمنا عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم أنه فعل ذلك أو رخص فيه ، وعلى هذا فالأولى تركه ، وأن يستغني عنه بما ثبت في الشريعة من الرقية بالقرآن وأسماء الله الحسنى وما صح من الأذكر والأدعية النبوية ونحوها ، مما يعرف معناه ، ولا شائبة للشرك فيه ، وليتقرب إلى الله بما شرع رجاء التوبة ، وأن يفرج الله كربته ، ويكشف غمته ، ويرزقه العلم النافع ، ففي ذلك الكفاية ، ومن استغنى بما شرع الله أغناه الله عما سواه ، وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .